د . ياسر أيوب يكتب : الألعاب المصرية من الملك فؤاد إلى الرئيس السيسي
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قصر الاتحادية صباح السبت الماضى أبطال مصر فى أربعة ألعاب .. منتخب مصر للإسكواش الفائز ببطولتى العالم للكبار والناشئين .. ومنتخب مصر للكاراتيه الفائز ببطولة العالم للشباب .. ومنتخب مصر الأوليمبى لكرة القدم الفائز بكأس الأمم الأفريقية الأخيرة المؤهلة لدورة طوكيو الأوليمبية .. ومنتخب مصر العائد بالكثير من الميداليات من بطولة العالم الاخيرة للمعاقين ذهنيا التى استضافتها استراليا .. ومع اللاعبات واللاعبين قياداتهم الرياضية وأجهزتهم الفنية والإدارية .. ومنح الرئيس السيسى كل هؤلاء الأبطال وسام الرياضة تكريما لهم واعتزازا بانتصاراتهم وبطولاتهم
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التى يستقبل فيها الرئيس السيسى بطلات مصر وأبطالها فى مختلف الألعاب داخل قصر الاتحادية بكل ما يستحقه نجوم مصر منتكريم وحفاوة .. إلا أننى قررت التوقف الآن أمام صورة الرئيس السيسى يتوسط أبطال مصر الرياضيين لأعود إلى الوراء واحدا وتسعين عاما .. حين شهدت مصر .. لأول مرة فى تاريخها الرياضى .. مثل هذه التفرقة الظالمة والقاسية بين كرة القدم وبقية الألعاب الأخرى .. ففى شهر مايو عام 1928 .. كانت مصر قد ضمنت مشاركتها فى دورة أمستردام الأوليمبية فى خمس ألعاب .. المصارعة ورفع الأثقال والسلاح والسباحة وكرة القدم .. وقرر الملك فؤاد الأول تكريم البعثة الرياضية المصرية قبل سفرها إلى أمستردام وتشجيعها لرفع اسم مصر فى المحافل الدولية الكبرى كما قيل وقتها
إلا أن المفاجاة كانت أن الملك فؤاد لم يشأ استقبال البعثة كلها فى قصر عابدين .. إنما قرر استقبال بعثة كرة القدم فقط .. ولم يتلق أبطال مصر فى المصارعة ورفع الأثقال والسلاح والسباحة أى دعوة ملكية .
وفى صباح يوم الجمعة الحادى عشر من مايو عام 1928 .. ذهبت بعثة الكرة المصرية إلى قصر عابدين بدعوة من جلالة الملك فؤاد الأول .. ودخل اللاعبون كلهم قصر عابدين .. وكانت هذه أول مرة فى التاريخ يدخل أى رياضى قصر الحكم فى مصر .. وعلى الرغم من دخول اللاعبين إلا أن الملك لم يقابل إلا رئيس البعثة والسكرتير وكابتن الفريق فقط حيث لاقوا من عطف المليك المحبوب ونصائحه الغالية ما يشجعهم ويقوى عزيمتهم .. وقام كابتن الفريق على الحسنى بنقل كل ما قاله الملك لبقية اللاعبين فى القصر وامتلأت صدورهم إيمانا بها وعزيمتهم قوة على أنهم سيدافعون عن الراية المصرية فى ميدان الشرف الرياضى الذى يجعلهم فى نظر جلالته الأبناء الأوفياء المخلصين لمليكهم وبلادهم .
وحرصت مجلة المصور على التقاط صورة جماعية لأعضاء البعثة الكروية أمام مدخل سراى عابدين بعد لقاء جلالة الملك ونشرتها فى عددها الصادر يوم الثامن عشر من مايو
ولم يقدم أحد من حاشية القصر والملك وقتها أى تفسير لقصر هذا التكريم الملكى على كرة القدم فقط .. ولم ينته الظلم عند هذا الحد .. فقد عادت بعثة مصر الأوليمبية من أمستردام تحمل معها اربع ميداليات أوليمبية كانت الأولى فى تاريخ مصر الرياضى .. ذهبية رفع الأثقال لسيد نصير .. وذهبية المصارعة لإبراهيم مصطفى .. وميداليتان فضية وبرونزية فاز بهما فريد سميكة فى الغطس من منصة ثابتة ومتحركة .. وعلى الرغم من أن كرة القدم لم تعد بأى ميدالية .. إلا أن التكريم كله كان بكرة القدم حيث فاز المنتخب المصرى على تركيا بسبعة أهداف .. وكانت نتيجة مهمة سياسيا سواء ببعي أو الملك لأنها كانت فوزا لمصر على الأتراك الذين كانوا حتى وقت قريب هم السادة فى مصر .. لدرجة أن الملك فؤاد قرر فور انتهاء المباراة إرسال برقية تهنئة للمنتخب المصرى كانت هى الأولى من نوعها التى يهنىء فيها حاكم مصرى فريقا مصريا رياضيا بعد فوزه .. لكن نفس الملك لم يحفل أو يهتم بإرسال أى برقية لثلاثة رياضيين مصريين فازوا بالميداليات أو على الأقل لسيد نصير وإبراهيم مصطفى صاحبى ميداليات الذهب
وأصبح ما جرى عام 1928 هو القانون غير المكتوب الذى حافظنا عليه عاما بعد آخر وجيلا بعد جيل .. فعلى الرغم من كل انتصارات الألعاب الأخرى وبطولاتها إلا أن الحفاوة كلها كانت لانتصارات كرة القدم فقط .. وعلى الرغم من أن حجم الانتصارات الكروية المصرية لا يمكن مقارنتها بانتصارات الألعاب الأخرى التى فاز بعضها ببطولات عالم وميداليات أوليمبية وأرقام قياسية احترمها الجميع .. لم يكن مسموحا لوقت طويل بأى مساواة بين كرة القدم وأى لعبة أخرى سواء فى تكريم ملكى أو رئاسى واهتمام إعلامى .. حتى بدأ مؤخرا التمرد على هذا القانون .. وأصبح قصر الحكم يفتح أبوابه لكل رياضى يحقق الانتصار بإسم مصر .. وأصبحت الأوسمة تزدان بها رقاب وصدور كل من يلعبوا ويفوزوا بالنيابة عن بلد سواء كانوا يلعبون كرة القدم أو أى لعبة أخرى