السبت. سبتمبر 20th, 2025
المشرف العام : محمد الدمرداش
رئيسا التحرير : احمد الاحمر , محمد قطب

kasnews – كاس نيوز

ول موقع رياضي للالعاب الفردية و الالعاب الجماعيه و كل ما هو جديد من اخبار الرياضه المحليه و العالميه

د.ياسر أيوب يكتب : الفلاح مجند الأمن المركزى الذى أصبح رابع العالم فى التجديف

منذ خمسين عاماً .. إرتكبت إسرائيل مذبحة بحر البقر التى كان ضحيتها ثلاثون تلميذة وتلميذاً كانوا فى مدرستهم يتلقون فى براءة دروسهم قبل أن تغتال طائرات إسرائيل براءتهم وأحلامهم .. ومنذ عشرة أعوام .. مات على إبراهيم إبن بحر البقر وعسكرى الأمن المركزى الذى أصبح رابع العالم فى التجديف بعد أن صدمته سيارة مسرعة فى طريق صلاح سالم .. كأن بحر البقر قرية مصرية مكتوب عليها الحزن والألم والحرمان أو كأن بطولات على إبراهيم وإنتصاراته كانت فرحة إستثنائية لبحر البقر قبل أن تعود لتمارس نفس الحزن القديم بعد موت على إبراهيم
ورغم العشر سنوات التى مضت على رحيل مفاجىء لهذا البطل .. إلا أننى لم أستطع نسيانه هو وحكايته التى نادرا ما تشهد مثلها الرياضة سواء فى مصر أو العالم .. فقد كان فلاحاً شاباً يزرع الأرض نهاراً ثم يذهب إلى الترعة القريبة مع أصدقائه لصيد السمك .. فبعد الشهادة الإعدادية إختار على أن يبقى مع والده يزرع الأرض ويساعد عائلته لتلبية إحتياجاتها .. وحين آن أوان الخدمة العسكرية .. تخيل أهل القرية وعائلة على وعلى نفسه أنها ثلاث سنوات سيعود على بعدها يمارس نفس حياته القديمة وينتظر اليوم الذى يرتبط فيه بفتاة تتقاسم معه كومة الصبر والأحلام القليلة وميراث العناد والتحدى والكبرياء العظيم
ولكن المجند على لم يعد أبداً إلى قريته .. فقد ذهب أولاً إلى منطقة تجنيد الزقازيق حيث تم توزيعه كعسكرى مجند بالأمن المركزى فى معسكر مبارك .. وهناك رآه النقيب عمرو رجائى بطل ومدرب التجديف وأدرك أن هذا المجند مشروع بطل للتجديف بذراعيه القويتين اللتين أكسبهما الفأس صلابة .. وبالفعل تم إختيار على ضمن إثنى عشر مجنداً أخذهم النقيب عمرو رجائى إلى نادى الشرطة للتجديف .. وتسلمه هناك مساعد شرطة عبد العال درويش ليصبح أول من يدربه على تلك الرياضة الجديدة تماماً عليه .. فلم يكن قد سبق له ممارسة هذه اللعبة من قبل ولا يعرف لها أى قواعد أو أى تفاصيل .. لكنه أطاع قادته ونزل إلى أحد المراكب فى النيل أمام نادى الشرطة وبدأ يمارس التجديف .. وبعد سنة واحدة فقط .. فوجىء الجميع بعلى إبراهيم يفوز ببطولة الجمهورية للتجديف .. وتخيل كثيرون أنها مجرد مصادفة يصعب تكرارها .. لكن عاد على ليفوز ببطولة الجمهورية للعام الثانى على التوالى .. فينضم على إلى منتخب مصر للتجديف .. وتكون المفاجأة الثالثة هى فوز على إبراهيم بسباق النيل الدولى .. ثم تتوالى بطولاته ليصبح هذا المجند البسيط بطلاً للعرب .. ثم بطلاً لكل أفريقيا
وبعد الفوز ببطولة أفريقيا .. أصر على أن ذهب معه إلى بيته فى بحر البقر .. كنا أصدقاء وكتبت عنه كثيراً بعد فوزه لأول مرة ببطولة الجمهورية .. ولم يعد على يقبل أن أبقى أكتب عنه دون أن أذهب معه أو أعود معه إلى مسقط رأسه .. وبالفعل ذهبت .. ورأيت مجموعة قرى إنتثرت كعقد طويل حزين حول مصرف بحر البقر القادم من قلب الدلتا .. قرى كثيرة بدأ بناؤها فى الستينات لتعمير وزراعة تلك الأراض الرملية فى محافظة الشرقية الواقعة شمال شرق الوادى وجنوب بورسعيد .. وهاجر كثير من الفلاحين إلى تلك القرى الجديدة بحثا عن حياة أفضل .. ولأن القانون كان لا يزال فى البداية ضعيفاً وعاجزاً إضطر الجميع للإحتكام لقانون آخر بدائى هو قانون البقاء للأقوى أو للأغنى .. فأخذ الأقوياء أراض أكبر وإكتفى الضعفاء والبسطاء بمساحات قليلة من الأرض .. لكن تشابه الأقوياء والضعفاء فى إهتمامهم بالبقر أكثر من أية فصيلة أخرى .. فقد إكتشفوا أن البقر يستطيع أكثر من غيره الصمود فى وجه مثل تلك الظروف القاسية .. فتمت الإستعانة بأعداد كبيرة من الأبقار فى أول الأمر حتى بدت وكأنها إحدى المعالم المميزة للمكان .. أما كلمة بحر فجاءت من تسمية شائعة عند الفلاحين للترع أو المصارف الكبيرة أو الطويلة نسبيا .. فأصبح الإسم هو بحر البقر
وفى بيت الأسرة .. التقيت بعم إبراهيم والد على .. وحكى لى الكثير سواء عن الحياة القاسية فى بحر البقر أو السنوات الأولى فى حياة على الذى لم يتخيله أبوه أبدا بطلاً للعرب وأفريقيا فى لعبة لم يسمع عنها أهل القرية قبل أن يفوز ابنهم بمختلف بطولاتها .. والتقيت هناك أيضا بكل أسرة على وكل أصدقاء العمر القديم
من أجل ذلك كله .. قلت أنها حكاية إستثنائية يصعب تكرارها .. وإلى جانب خصوصية وجمال الحكاية بعدما أصبح على هو رابع العالم فى لعبة التجديف .. ورغم حزن وقسوة وسرعة نهايتها بالموت المفاجىء والصادم للبطل المصرى .. إلا أنه تبقى لها أيضا معان أخرى .. فمصر لا تزال وستبقى نبعا هائلا لمختلف المواهب الرياضية .. لكن لا أحد يهتم بالبحث .. لا أحد يتفرغ للبحث عن المواهب المجهولة أو يبذل جهدا فى اكتشاف أبطال جدد .. إنما نترك الأمر كله للمصادفة .. وسيبقى على إبراهيم الفلاح مجند الامن المركزى الذى أصبح أحد أبطال العالم فى التجديف مجرد شاهد على ما تملكه مصر وتستطيع تحقيقه إن أراد مسئولوها الرياضيون تغيير الواقع والبحث عن مستقبل بعيدا عن خلافات واتهامات وحروب وهمية زائفة