د . ياسر أيوب يكتب : الماراثون .. وإمرأة يابانية تعلمت فى مصر
مهما عرفت أو سمعت ورأيت وقرأت عن الماراثون وسباقاته وحكاياته .. سيبقى هناك الذى لا تعرفه سواء عن مدينة ماراثون اليونانية وأهلها الذين لا يزيد عددهم حاليا عن ثلاثة عشر ألف شخص .. أو سباق ماراثون الذى أصبح من أهم وأشهر سباقات وألعاب العالم .. أو كلمة ماراثون التى أصبح كثيرون جدا يستخدمونها لوصف أى نزاع طويل سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو قانونيا أو أى مشوار يحتاج للكثير من الصبر والقوة والقدرة على التحمل
لكن الجديد الآن هو هذا الصراع الذى تعيشه مدينة طوكيو حاليا بعدما قررت اللجنة الأوليمبية الدولية نقل سباق الماراثون فى دورة طوكيو الأوليمبية العام المقبل من مدينة طوكيو إلى سابورو التى تبعد ثمانمائة كيلو متر شمال طوكيو .. وبدأ خلاف حقيقى بين اللجنة الأوليمبية الدولية واللجنة المنظمة لدورة طوكيو بسبب هذا القرار .. اللجنة الأوليمبية بررت قرارها بحرارة الجو فى طوكيو وحرصا منها على سلامة اللاعبين واللاعبات المشاركين فى الماراثون .. واللجنة المنظمة قالت أنه كان من الواجب واللائق التشاور معها أولا قبل أن تقرر ذلك اللجنة الأوليمبية الدولية وحدها .. وبعد أيام قليلة .. بدا يوشيرو مورى رئيس اللجنة المنظمة أنه على استعداد لقبول القرار والاستسلام له .. قررت يوريكو كويكى .. المرأة الحديدية والقوية وعمدة مدينة طوكيو .. أنها لا توافق على هذا القرار وأنها تشعر بالإهانة نتيجة تجاهل اللجنة الأوليمبية الدولية لبلادها وأهلها وللمدينة التى تحكمها يوريكو والتى تحمل اسمها الدورة الأوليمبية المقبلة
وهكذا بدأ سباق جديد بسبب الماراثون .. سباق يمكن أن نطلق عليه أيضا كلمة ماراثون لأنه نزاع سيطول قليلا وسيحاول كل أطرافه إثبات أنهم على حق وصواب .. لكن يوريكو لم تبدأ فقط هذا النزاع الذى يمكن وصفه بالماراثون .. إنما هى أيضا تقتدى بفلسفة سباق الماراثون نفسه التى هى التحدى والإرادة والكبرياء .. ففى عام 490 قبل الميلاد .. جرى الجندى فيديبيدس من مدينة ماراثون حتى أثينا لإبلغ اليونانيين بانتصارهم على الفرس .. لم يتوقف لحظة واحدة ليهدأ أو يستريح لأنه لم يشأ التأخر عن طمآنة قومه وإسعادهم .. وبالفعل أبلغهم الانتصر ثم سقط ميتا من التعب والإرهاق .. فأصبح العالم يحتفل طول الوقت بهذا الجندى العنيد الذى ضحى بحياته لمجرد إبلاغ قومه بانتصارهم .. وبات سباق الماراثون لعبة أساسية من أول دورة أوليمبية يعرفها العالم .. ومن المؤكد أن يوريكو عنيدة تماما مثل الجندى اليونانى القديم .. وأنها لن تستسلم بسهولة وستحارب حفاظا على كرامتها هى ومدينتها .. وأنا شخصيا أتمنى انتصارها وأتعاطف معها دائما باعتباره الفتاة اليابانية التى جاءت صغيرة إلى مصر لتدرس اللغة العربية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة ثم واصلت دراستها لعلم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة وتخرجت عام 1976 .. ورغم رحلتها الطويلة الحافلة بالمناصب والنجاحات مثل عضوية مجلس النواب اليابانى وتولى مسئولية وزارة الدفاع ثم عمدة طوكيو .. إلا أنها أبدا لا تنسى مصر وتعتز جدا بأنها تعلمت فى مصر .. وحين سافر مطيع فخر الدين رئيس اتحاد الجودو ومعه النجم العالمى الكبير محمد رشوان إلى طوكيو العام الماضى وطلبا لقاء يوريكو .. التقت بهم وقالت أنها ستستجيب لأى طلب مصر اعترافا بفضل مصر
وقد قالت يوريكو أن طوكيو .. حتى إن وافقت على قرار نقل الماراثون .. فالمدينة لن تتحمل تكاليف نقل لاعبات ولاعبى الماراثون فى الدورة الأوليمبية من طوكيو إلى سابورو لأن طوكيو لم تكن صاحبة هذا القرار .. وتريد اللجنة الأوليمبية الدولية تسليم ميداليات الماراثون فى حفل ختام دورة طوكيو .. ولم يتم بعد حسم أمر من سيدفع فاتورة الانتقال .. وبهذه المناسبة .. لم تحظ أى رياضة أخرى بما فيها كرة القدم بشهرة سباق الماراثون فى أعمال الخير .. ففى العالم كله تقام هذه السباقات من أجل العطاء ومساندة الآخرين ورعاية كل الأنشطة الاجتماعية والإنسانية