د. ياسر أيوب يكتب : حكاية المصارعة المصرية تختصرها سمر حمزة

مقابل لاعبات كثيرات فى مصر يمارسن اللعب والحلم ويفزن ببطولات وميداليات .. هناك لاعبات قليلات تختصر كل منهن حكاية لعبتها وتاريخها منهن سمر حمزة التى حكايتها هى بالضبط حكاية المصارعة فى مصر .. الانتصار حين يأتى بعد طول انكسار .. المستقبل الذى يكتبه تاريخ طويل من المعاناة .. النجاح الذى يتحقق رغم أى تجاهل ولا مبالاة .. وإذا كان المسلسل التليفزيونى الجميل .. تقلها دهب .. قد نقل إلى الناس عبر شاشاتهم بمنتهى الصدق والحب بعضا من جوانب حياة ومشوار سمر حمزة .. إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذى يقال عن البطلة المصرية الجميلة .. والكثير أيضا الذى لا تزال سمر تحلم به وتحاول تحقيقه وعلى استعداد لأن تدفع ثمن ذلك تعبا وتدريبا وإصرارا ومعاناة
وإذا كان الاتحاد الدولى للمصارعة قد قرر تأجيل بطولة ماتيو بيلليكونى فى إيطاليا التى كانت ستشارك فيها سمر من فبراير الحالى لتقام فى يونيو المقبل .. فهناك بطولات أخرى تحلم سمر بالمشاركة فيها مثل بطولة اسطنبول فى تركيا وألماتى فى كازاخستان ثم تونس التى ستكون آخر سلسلة بطولات العام الحالى للتصنيف الدولى لبطلات وأبطال المصارعة .. وإذا كان الاتحاد المصرى للمصارعة قد أعلن مؤخرا أنه لا يستطيع تحمل نفقات مشاركة سمر حمزة فى أى من تلك البطولات لتتحمل الشركة الراعية لها هذه النفقات .. فهذا أيضا جزء من معاناة المصارعة فى مصر وليست سمر حمزة فقط .. ولست ألوم أحدا من المسئولين الحاليين عن ذلك سواء فى اتحاد المصارعة أو اللجنة الأوليمبية المصرية .. فالحكاية قديمة جدا والتاريخ الرياضى المصرى يبقى شاهدا على أن رفع الأثقال والمصارعة أكثر لعبتين تعرضتا للظلم والتجاهل منذ 1948 مع أنهما علميا أكثر لعبتين يمكن للمصريين التألق فيها والفوز ببطولات وميداليات .. وإذا كان الرعاة بدأوا حاليا الالتفات للمصارعة .. فهم يستحقون بالتأكيد الشكر والاحترام والامتنان .. لكننى أتمنى أن تغيير الرؤية المصرية الرياضية للمصارعة .. فالدعم الرسمى يبقى ضروريا ليس من أجل المال فقط .. إنما المال والإعلام والرعاية والدعم النفسى والمعنوى أيضا
ولتأكيد ما سبق أن ذكرته فى البداية عن اختصار مشوار سمر حمزة لحكاية مصر مع المصارعة .. أقف أولا أمام دورة أمستردام الأوليمبية 1928 التى شهدت أول ميدالية أوليمبية للمصارعة المصرية وكانت ذهبية فاز بها إبراهيم مصطفى .. ثم انتظرت مصر بعدها عشرين عاما لتفوز بثانى ميدالياتها فى المصارعة فى دورة لندن الأوليمبية 1948 وكانت فضية فاز بها محمود حسن على .. ولم تكن مجرد ميدالية إنما بداية ثورة المصارعة المصرية التى فازت فى نفس تلك الدورة بميدالية أخرى برونزية لإبراهيم عرابى .. وبدلا من أن نلتفت لهذه اللعبة التى بدأت تنحاز لمصر وأبطالها .. كان الإهمال واللامبالاة والمساواة المزعومة الساذجة بين كل الألعاب دون تمييز .. ورغم ذلك بقت المصارعة تقاوم ففاز عبد الراشد بميدالية برونزية فى دورة هلسنكى 1952 وبعده عثمان السيد فى دورة روما 1960 لتنتظر مصر أربعة وأربعين عاما كاملة قبل أن تاتى بالمصادفة ميدالية الذهب لكرم جابر فى دورة أثينا 2004 .. ثم فضية لكرم جابر أيضا رغم ما تعرض له من حروب وانتقادات فى دورة لندن 2012 .. وميدالية برونزية لكيشو فى طوكيو 2021
نفس الأمر جرى لسمر حمزة .. فقد كانت أول مصارعة مصرية تصل إلى نصف نهائى بطولات العالم الكبرى وأصبحت سيدة المصارعة الأفريقية خمس سنوات متتالية وصاحبة ذهب ألعاب البحر المتوسط مرتين وبطولات وميداليات أخرى كثيرة انتهت بالتأهل لدورة طوكيو الأوليمبية .. ومرة أخرى لم نلتفت بشكل كاف وباهتمام حقيقى لهذه البطلة المصرية وموهبتها .. تركناها وحدها فى حيرتها ومعاناتها وانفعالتها ومشاجراتها دون احتضان أو رعاية .. فكانت النتيجة إخفاق سمر فى طوكيو وإعلانها الاعتزال .. لكن مثلما خرج كرم جابر فى أثينا متمردا على ظلم المصارعة وتجاهلها .. عادت سمر لتتمرد على نفس التجاهل وتفوز ببرونزية بطولة العالم فى النرويج العام الماضى .. وكانت أول ميدالية نسائية لمصر فى بطولات العالم للمصارعة منذ فاز محمد إبراهيم بميدالية الذهب فى بطولة العالم 2006 .. وأتمنى تصحيح هذا الخطأ التاريخى مع المصارعة ونقف كلنا مع بطلة مصارعة مصرية أصبحت الثالثة على العالم وحشد كل الدعم المعنوى والمالى والنفسى لها طيلة العامين المقبلين استعدادا لدورة باريس المقبلة 2024