د.ياسر أيوب يكتب : كم تساوى الميداليةالأوليمبية؟
لا تطلبوا منا ميداليات أوليمبية وأنتم لا تعرفون كم تبلغ تكلفة الميدالية الواحدة .. لا أعرف كم مرة سمعت أنت فيها هذه العبارة يقولها رئيس اتحاد رياضى فى مصر .. لكننى شخصيا سمعتها وقرأتها كثيرا جدا وعلى لسان أكثر من رئيس اتحاد خاصة بعد كل دورة أوليمبية تشارك فيها مصر .. فلم يجد هؤلاء طول الوقت أفضل من هذه العبارة لتبرير عدم الفوز بميداليات .
والمثير فى الأمر أن كل هؤلاء لا يتذكرون هذه العبارة قبل السفر الأوليمبى وحين يطلبون الدعم الحكومى للسفر الودى ومعسكرات الإعداد وهم يعدون كل الناس بأكثر من ميدالية .. وقتها لا أحد منهم يتحدث عن تكلفة الميدالية الأوليمبية .. ولا أحد يقترح توفير نفقات الإعداد والسفر الودى طالما لن يصل الإنفاق مهما كان إلى التكلفة الحقيقية لأى ميدالية اوليمبية .. وهى التكلفة التى قضينا سنينا طويلة نسمع أنها تبلغ المليون دولار ثم زادت فجاة مؤخرا لتصبح أربعة ملايين دولار مرة واحدة
وأعتقد أنه قد آن أوان وضع حد لمثل هذا الجدل العقيم الذى يدور ويتكرر داخل أوساط اتحاداتنا وإعلامنا بين الحين والآخر كلما تطلب الأمر تبريرا لخسارة أو إخفاق ووعود لا تتحقق وأحلام لاتكتمل .. فالميدالية الأوليمبية قد تتكلف مليونا أو أربعة ملايين دولار وقد لا تتكلف عشر هذا المبلغ .. وهناك بلدان تنفق أكثر من ذلك ولا تفوز بأى ميداليات .. وبلدان أخرى لا تملك أو تنفق هذه المبالغ ورغم ذلك تفوز بأكثر من ميدالية .. تماما مثلما هناك ألعاب تتطور علومها وأدواتها ويحتاج الفوز فيها لكثير جدا من المال .. وألعاب أخرى لا تزال قوانينها ومنافساتها ثابتة والفوز فيها لا يحتاج إلا حسن الإعداد البدنى والنفسى مع إرادة الفوز وطموحاته
وإذا كان هناك تصريح رسمى خرج منذ أيام قليلة على لسان أحد مسئولى اللجنة الأوليمبية المصرية يؤكد أن الميدالية الأوليمبية الواحدة فى زماننا الحالى باتت تتكلف أكثر من أربعة ملايين دولار .. فإننى أتمنى أن يراجع هذا المسئول وزملاؤه حساباتهم وتصريحاتهم ويعيدوا النظر فى جدول ميداليات ريو دى جانيرو أى الدورة الأوليمبية الماضية .
ففى تلك الدورة كانت هناك لأذربيجان 18 ميدالية .. وكاراخستان 17 ميدالية .. وهندوراس 15 ميدالية .. وكينيا 13 ميدالية .. وأوزبكستان 13 ميدالية .. وجامايكا 11 ميدالية .. وكوبا 11 ميدالية .. وكرواتيا 10 ميداليات .. وكلها بلدان لا تنفق على الرياضة أكثر مما تنفقه مصر بل إن بينها من ينفق أقل من الدعم الحكومى المصرى للجنة الأوليمبية واتحاداتها .. وهو ما يعنى أن المال ليس عائقا يصعب تخطيه أو مبررا لابد من الإلتزام به حتى لا تكون هناك مساءلة أو حساب
وبدلا من البحث عن مبررات الدولار سواء كان مليون أو أربعة ملايين .. يمكن الالتفات إلى كل تلك البلدان التى تفوز دائما بميداليات كثيرة فى أى دورة أوليمبية تشارك فيها رغم إنفاقها المالى غير المبالغ فيه أو الذى لا يمكن مقارنته بما تنفقه الدول الكبرى رياضيا كالولايات المتحدة وبدان غرب أوروبا .. فهذه البلدان التى أقصدها هى التى تجيد اختيار الألعاب التى تشارك فيها .
فلم يعد ضروريا فى عالم اليوم أن ترسل كل بلد بعثة أوليمبية ضخمة لمجرد السير فى طابور العرض والفرجة على حفل الافتتاح .. فليست هناك بلد فى العالم كله تتفوق فى كل الألعاب وتحلم فيها بميداليات .. إنما هناك تخطيط ودراسات وعلم حقيقى يتم الاعتماد عليهم فى اختيار الألعاب التى يجرى انفاق المال القليل على اعدادهابدلا من بعثرة هذا المال القليل على كل الألعاب والبعثات الاستعراضية الضخمة
وأعرف أن هناك من سيقول أن الفلسفة الأوليمبية هى المشاركة وليس الفوز .. وعلى الرغم من أنه قول تجاوزه الزمن الحالى ببعيد ..إلا أننى اتوقف أمام ما جرى قبل دورة ريو دى جانيرو الماضية حين رفضت اللجنة الأوليمبية البريطانية انفاق أى مال على اعداد منتخب التنس لأن الدراسات والاحصاءات والمقارنة بفرق بلدان أخرى أكدت أن منتخب التنس البريطانى لن يفوز فى تلك الدورة بأى ميدالية .. والأولى بالإنفاق هو من يمكنه الفوز بميداليات فى ريو مثل منتخب الدراجات .. وقالت اللجنة الأوليمبية وقتهالاتحاد التنس البريطانى ان عليه البحث عن أى راع إن أراد المشاركة فى ريو لكن الحكومة لن تدفع أى شىء .. فالمسألة ليست غنى أو فقر .. وليست مليونا أو أربعة ملايين دولار .. وبدلا من هذه الأزمة المفتعلة ..
وبعيدا عن هذا الخلاف الدائر حاليا بين وزاررة الشباب والرياضة ولجنتنا الأوليمبية واتحاداتها حول الدعم الحكومى استعدادا لدورة طوكيو .. يمكن اعادة النظر فى توزيع هذا الدعم الحكومى مهما كان قليلا واستغلاله بأفضل أسلوب ممكن استنادا لأرقام ونتائج وبعيدا عن أى مجاملات أو استعراضات ووعود زائفة