د. ياسر أيوب يكتب : كيشو وصناعة البطل الأوليمبى

فارق كبير بين بطل أوليمبى تتم صناعته بدقة وصبر وتركيز واهتمام .. وبطل آخر يمكن المراهنة عليه مع انتظار أن تسمح له الظروف والمصادفة وحسابات اللحظة الأخيرة بأن يتألق ويفوز .. وهذا ليس انتقادا لأى اتحاد أو أحد لكنه مجرد محاولة لمسايرة العالم الرياضى حولنا وتغيير بعض أو كثير من أفكارنا وحساباتنا القديمة .. وحتى لا يكون مجرد ثرثرة وكلام مرسل فإننى سأختصر الحكاية كلها فى محمد إبراهيم أو كيشو بطل مصر فى المصارعة الرومانية الذى هو حتى الآن أحد الرهانات الحقيقية لمصر فى دورة باريس الأوليمبية المقبلة
وقبل الحديث عن كيشو ودورة باريس الأوليمبية المقبلة .. نتوقف أولا أمام مسيرته مع المصارعة التى بدأت فى مركز شباب عبد القادر بالإسكندرية .. وبسرعة أثبت كيشو أنه يملك موهبة طبيعية كانت فقط تحتاج إلى حسن إعداد وتدريب ورعاية .. فبعد قليل من الممارسة فاز كيشو ببطولة أفريقيا للشباب منذ خمس سنوات فى أول مرة يشارك فى بطولة خارج مصر .. وفى العام التالى ظل بطلا لأفريقيا كما فاز أيضا بالميدالية الفضية لبطولة العالم فى أول مرة يشارك فى بطولة عالم .. ثم توالت البطولات وكبرت الأحلام ففاز بالذهب فى بطولة العالم تحت 23 سنة فى رومانيا .. ثم فاز بعدها ببطولة أوليج كارفيف الدولية فى بيلاروسيا .. وفى بطولة العالم للكبار فى كازاخستان كان الخامس وأصبح أول مصارع مصرى يتأهل لدورة طوكيو الماضية
ولم تكن هناك رهانات كبيرة حقيقية على كيشو فى طوكيو .. وكان هناك مصارعون آخرون الرهان عليهم أكبر للفوز بميداليات أوليمبية سواء رجال أو سيدات .. لكن المفاجأة كانت أن كيشو هو الذى فاز بالميدالية فى طوكيو .. ميدالية برونزية كانت ميدالية المصارعة المصرية الوحيدة فى طوكيو والسابعة لمصر فى تاريخها الأوليمبى وأول ميدالية منذ ميدالية كرم جابر فى دورة لندن 2012 .. وعاد كيشو بميداليته إلى مصر التى احتفلت به وفرحت معه وبدأ كثيرون هنا وهناك يؤكدون أن هذه الميدالية جاءت بعد طول تخطيط ودراسة وأن كل الحسابات قبل طوكيو كانت تؤكد فوز كيشو بميدالية أوليمبية .. رغم أن كيشو فى حواراته بعد العودة إلى مصر كانت تفيض بالشكوى والمرارة ومطالب مؤجلة وحقوق غائبة .. ولا يعنينى ذلك كله الآن قدر ما يعنينى المستقبل والثلاث سنوات المقبلة حتى دورة باريس 2024
ونحن الآن أمام مشروع بطل أوليمبى لابد من صناعته وحمايته حتى باريس .. والصناعة هنا ليس المقصود بها معسكرات داخلية وخارجية وبطولات يشارك فيها كيشو .. إنما لابد من أمور كثيرة جدا ومهمة أيضا .. فلابد أولا من متابعة دائمة من الآن لكل من ينافسون كيشو وسيتعين عليه مواجهتهم فى باريس وملاحظة أى تطور فى أدائهم ومستواهم .. ورغم امتلاك كيشو للموهبة الطبيعية .. ورغم فوزه بالفعل بميدالية أوليمبية فى طوكيو .. فلابد من قياسات جديدة علمية وحقيقية ودائمة لعضلات وعظام كيشو لمعرفة نقاط الضعف فى جسده .. ولابد أيضا من اختبارات متكررة عصبية ونفسية لقياس رد فعله أمام مختلف المواقف والأزمات والمواجهات .. وتوفير رعاية نفسية علمية حقيقية لكيشو إلى جانب استشراف أى أزمة اجتماعية أو مالية يواجهها كيشو طيلة الفترة المقبلة حتى باريس
وليس من الضرورى توفير ذلك كله لكل لاعبى المنتخب المصرى للمصارعة .. فليست هكذا تدار الأمور فى العالم .. وليس صحيحا أيضا أن يقتصر ذلك على كيشو وحده .. إنما لابد من عدد قليل من المصارعين يتم اختيارهم وفقا لقياسات وأرقام حقيقية دون أى مجاملات أو حسابات خاصة سواء للاعب أو مدرب .. فالذى تكثر رهاناته يخسرها كله .. والذى يعرف بالضبط ما الذى يملكه يستطيع المحافظة عليه ليربح فى النهاية .. والمال لذى يتم إنفاقه على عشرة لاعبين ستكون نتيجته أفضل لو اقتصر العدد على أربعة لاعبين أو خمسة فقط
وتبقى نقطة أخيرة أعرف من الآن أن الاتحاد المصرى للمصارعة لن يرحب بها رغم أنها ممكنة وضرورية .. فنحن لدينا الآن مدرب مصرى يقود المنتخب الأمريكى للمصارعة هو محمد عبد الفتاح .. وبالتالى لدينا اختيار من اثنين .. إما العرض على محمد عبد الفتاح انضمام كيشو من وقت لآخر لمعسكرات المنتخب الأمريكى .. أو أن يقدم لنا محمد عبد الفتاح نظام أعداد أى مصارع أوليمبى أمريكى .. وقد يعترض أحد مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ليست من قوى المصارعة العظمى فى عالمنا .. لكننى أبحث عن قواعد إعداد اى بطل أوليمبى أمريكى وما يمر به من اختبارات جسدية وطبية وبدنية وعصبية ونفسية حيث الولايات المتحدة هى الأقوى عالميا فى هذا المجال .. كما أننا لا نملك أى مصرى يقود منتخب أى من القوى الأخرى الأعظم فى لعبة المصارعة