د. ياسر أيوب يكتب : الضحايا الجدد لكليات التربية الرياضية

من الضرورى بالنسبة للطلبة حلاقة الشعر وإرتداء شورت وفانلة بدون أكمام وحذاء رياضى خفيف وإحضار بنطلون وقميص ومايوه وألا يقل طول الطالب عن 165 سم .. أما بالنسبة للطالبات فلابد من إرتداء بنطلون تدريب وبلوزة وحذاء رياضى خفيف وإحضار مايوه وألا يقل طول الطالبة عن 155 سم وقص الأظافر وعدم إرتداء خواتم وسلاسل وانسيالات وعدم إستخدام أى مساحيق .. ولابد ألا يقل مجموع الثانوية العامة عن 60% سواء للطالب أو الطالبة .. وسيخضع الجميع للإختبارات .. الطول والوزن والقوام والجرة 800 متر للطالب و600 متر للطالبة والوثب العريض من الثبات وإختبار مهارى فى أحد الألعاب التى يختارها الطالب أو الطالبة ثم المقابلة الشخصية
هذه هى بعض الشروط المطلوبة من أى طالب وطالبة للالتحاق بكلية التربية الرياضية بعد نيل شهادة الثانوية العامة .. وتقل أو تزيد أو تختلف هذه الشروط من كلية لأخرى حيث تملك الجامعات المصرية 21 كلية تربية رياضية للبنين و18 كلية للبنات .. ولا أستطيع بعد تحديد العدد الذى ستقبله 39 كلية تربية رياضية فى مصر هذا العام .. لكننى أملك فقط الحق فى مناقشة هذه الشروط التى لا أسخر منها مطلقاً إنما أتساءل فقط عن فلسفتها وضرورتها .. فحين تقوم الكليات العسكرية بإختبارات طبية وصحية وبدنية لمن يريد الالتحاق بإحداها .. يكون القصد هو أن من سيصبح ضابط جيش أو شرطة سيتعرض لمواقف يحتاج فيه لصحة مكتملة وكامل لياقته الجسدية والنفسية .. لكن هل من الضرورى لمن سينال شهادة بكالوريوس التربية الرياضية أن يكون قادراً على الجرى أو يتميز بمهارات فنية فى أحد الألعاب أو لابد أن يجيد السباحة .. والإجابة على هذه الأسئلة يلزمها التساؤل أولاُ عن المهن المتاحة لخريجى التربية الرياضية
فالإختيارات المتاحة بعد أربع سنوات دراسة أمام هؤلاء الطلبة والطالبات هى إما الإلتحاق بوزارة التعليم كمدرسين للرياضة البدنية أو بوزارة التعليم العالى كمشرفين رياضيين فى مختلف الجامعات أو العمل كمشرفين فى صالات الجيم واللياقة البدنية أو العمل فى أى ناد رياضى أو حتى مركز شباب .. وعدد قليل منهم سيواصل الدراسات العليا والدكتوراة بعد الماجستير للإنضمام مستقبلاً لهيئة التدريس بأى من الـ 39 كلية تربية رياضية فى مصر .. ومن المؤكد أن سوق العمل فى مصر الآن وفى المستقبل القريب لا يتسع لكل هؤلاء الذين سيلتحقون هذه السنة بكليات التربية الرياضية .. فمعظم مدارسنا لم تعد تمارس الرياضة أصلا وإختفت حصة الألعاب من معظم المدارس الحكومية من الإسكندرية إلى أسوان .. وعدد الصالات الرياضية فى مصر لا يسمح بتوفير وظائف لكل هؤلاء أو إحتياجات الأندية الرياضية
ويقودنا ذلك لثلاث حقائق أساسية وواضحة .. الأولى هى أن الزمن الحالى تجاوز ببعيد كل تلك الأسس والفلسفة والمفاهيم التى إستندت إليها مصر عند تأسيس أول كلية تربية رياضية ثم باقى الكليات التى توالت .. فالبداية كانت عام 1937 حين تقرر أن يضم المعهد العالى للمعلمين قسماً خاصاً للتربية الرياضية وفى نفس العام تم إنشاء قسم خاص بالتربية الرياضية فى مدرسة الأميرة فوزية للبنات .. وفى عام 1948 بدأ المعهد العالى للتربية الرياضية للمعلمين وتحول بعد ذلك قسم مدرسة الأميرة فوزية لمعهد مستقل باسم المعهد العالى للتربية الرياضية للبنات .. وفى عام 1975 تأسست جامعة حلوان كجامعة تكنولوجية متخصصة فى كل المجالات فكانت كلية التربية الرياضية فى الهرم .. وتوالت كليات التربية الرياضية فى مختلف الجامعات المصرية .. وعبر هذا المشوار الطويل لم يتوقف أحد بشكل جاد لمراجعة ما الذى تريده مصر من هذه الكليات والهدف من تدريس موادها والمستقبل الذى ينتظر حاملو شهاداتها .. ورغم كل تفاصيل الحياة التى تغيرت سواء فى الرياضة أو كل المجالات .. لم تتغير فلسفة وأسس كليات التربية الرياضية
الحقيقة الثانية هى الخلط بين كليات التربية الرياضية ومدارس الموهوبين رياضياً .. فكليات التربية الرياضية لم ولن تكون فى أى يوم مطالبة بتخريج أبطال رياضيين أو صنعهم حتى تكون الموهبة أو القدرة الرياضية أحد الشروط اللازم توافرها للالتحاق بهذه الكليات .. وفى المقابل أهملت كليات التربية الرياضية تماما أحد أهم واجباتها وأدوارها وهى إعداد وتخريج باحثين رياضيين فى مختلف علوم الرياضة ومجالاتها .. فلا تزال هى نفس المناهج التى تجاوزتها علوم الرياضة منذ سنين .. ولا تزال أقسام الكليات تحمل أسماء مختلف الألعاب مثل قسم كرة القدم أو الملاكمة أو السباحة مع أن الأكثر واقعية هو أن تكون هناك أقسام حقيقية للتدريب الرياضى أو الإدارة الرياضية
والحقيقة الثالثة هى أن أساتذة كليات التربية الرياضية حالياً لا يتوون التمرد على نظام عاشوا به حياتهم وأصبحوا مدرسين وأساتذة .. والدليل هو أن مناهج ووسائل وطرق البحث التى يستند إليها معظم هؤلاء الأساتذة الآن فى ودراساتهم وكتبهم باتت غير ذى قيمة حقيقية فى أيامنا الحالية .. وبإستثناء أساتذة وباحثين قليلين للغاية فى مختلف الكليات حرصوا على ملاحقة جديد العالم وطوروا أنفسهم وأفكارهم ولم يستسلموا لأى قيود وقضبان بالية .. لا تزال الغالبية يفتحون المراجع الكلاسيكية القديمة وينقلون عنها ويستشهدون بتجارب وتعريفات وأفكار مضى عليها ثلاثون أو خمسون عاما رغم كل ما شهدته علوم الرياضة من ثورات حقيقية تغيرت كعها كل القوانين وحتى التعريفات .. وكانت النتيجة هى انفصال كليات التربية الرياضية المصرية عن واقع الرياضة المصرية وإحتياجاتها هى والمجتمع المصرى كله