د.ياسر أيوب يكتب: حكاية شادى والجودو وأبطال مصر المغتربين
ليس فى الجودو فقط .. إنما من الممكن فى كل وأى لعبة أخرى أن يفوز لاعب ثم يعود ويخسر أمام نفس اللاعب .. لكن الذى يضفى على هذه الحكاية خصوصيتها هو من اللاعب الذى فاز ومن الذى خسر .. ففى يوليو عام 2019 .. كان رمضان درويش يواجه شادى النحاس فى نهائى بطولة الجائزة الكبرى فى كندا .. وخسر شادى ليفوز رمضان بالميدالية الذهبية .. وبعد مرور سنة وأكثر قليلاً .. وفى شهر أكتوبر الحالى .. كانت المواجهة الجديدة بين نفس اللاعبين مع فوارق قليلة .. ففى المواجهة الثانية منذ أيام .. كانت بطولة الجائزة الكبرى فى المجر وليست كندا .. وكان اللقاء فى دور الـ 16 وليس النهائى .. ولم يكن رمضان هو الفائز إنما فاز شادى الذى إستطاع التغلب أيضا على المجرى ميكلوس ثم البلجيكى توما ليفوز بالميدالية البرونزية لواحدة من أربع بطولات جودو كبرى فقط فى العالم لهذا العام
ولن تقلل هذه الخسارة من مكانة رمضان درويش الفائز بميداليات الذهب فى ألعاب البحر المتوسط وبطولة أفريقيا وبطولة أوروبا والألعاب الأفريقية .. والفضة فى كأس العالم والألعاب الأفريقية وبطولة أفريقيا وبطولة أوروبا .. والبرونز فى بطولة كأس العالم إلى جانب مختلف الميداليات فى بطولات الجائزة الكبرى بمختلف بلدان العالم .. لكننى هنا لا أتحدث عن رمضان درويش الذى فاز ثم خسر وسيعود ليفوز من جديد .. إنما أتحدث عن الذى خسر العام الماضى ثم فاز هذا العام ولا يزال يأمل فى إنجازات وبطولات كثيرة لن تكون كلها لمصر لأن شادى النحاس لم يعد مصرياً إنما كندى الجنسية ويلعب بإسم كندا وتحت علمها .. ولم يكن شادى من هؤلاء الذين يبدأون اللعب والحلم فى مصر وحين تبدأ بطولاتهم وتتحقق نجاحاتهم يضعفون أمام إغراءات المال فيبيعون مصر وعلمها لمن يدفع أكثر ويكتسبون جنسية أخرى يلعبون بها فى مختلف البطولات .. إنما يبقى شادى صاحب حكاية مختلفة تماماً وتستحق التوقف أمامها الآن وما لها من معان ودلالات ودروس أيضا
فقد هاجر شادى وهو طفل صغير مع عائلته من الإسكندرية إلى كندا .. وهاجر أيضا ابن عمه يوسف الذى كان والده بطل أفريقيا فى الجودو خمس مرات .. وبدأ شادى يتابع شقيقه مهاب وابن عمه يوسف وهما يلعبان الجودو .. وبعد قليل أدرك شادى أنه يحتاج هو الآخر لممارسة وإتقان هذه اللعبة لسبب غريب جداً .. فقد كان بدينا ويتعرض للسخرية من زملائه فى المدرسة الابتدائية .. فأصبح يحتاج للقوة ليحمى نفسه أو على الأقل حتى يدرك زملاؤه مدى قوته فيكفون عن السخرية منه .. وبالفعل بدأ شادى يلعب الجودو .. بدأ يتألق ويفوز ببطولات محلية قبل أن يُلفت انتباه مسئولى اللعبة فى كندا ليبدأ شادى مرحلة جديدة فى حياته كلاعب جودو حقيقى توفر كندا له كل الإمكانات الكافية لصنع بطل دولى فى مركز كندا القومى للجودو فى مونتريال .. وتوالت وتعددت بطولات شادى التى فاز بها تحت علم كندا
وهذه الحكاية تعنى بالتأكيد أن شادى لم يتنازل عن مصريته ولم يبع مصر مقابل المال .. إنما هو طفل صغير هاجرت عائلته من مصر إلى كندا واستقرت هناك قبل أن يعرف شادى ما هو الجودو وهل بإمكانه ممارسة هذه اللعبة والتفوق فيها أم لا .. وقد حاول اتحاد الجودو الحالى برئاسة مطيع فخر الدين استقطاب شادى وإقناعه باللعب دولياً لمصر وليست كندا .. لكن كان الأوان قد فات وأصبح شادى لاعبا كندياً وليس مصرياً .. وليست الحكاية المهمة الآن هى شادى الكندى رغم جذوره المصرية .. وليست أيضا حكاية الجودو مع كل التقدير والاحترام لهذه اللعبة الجميلة .. إنما هى حكاية مئات المصريين الصغار فى كندا والولايات المتحدة وأوروبا واستراليا .. أولئك الذين هاجرت عائلاتهم وأستقرت فى تلك البلدان البعيد .. وكبروا والتحقوا بالمدارس هناك وبدأ معظمهم يمارس مختلف الألعاب فى المدارس ثم الجامعات وفى الأندية أيضا .. وهناك وسط هؤلاء مواهب رياضية حقيقية تكبر وتنمو .. وبعض أصحاب هذه المواهب لا تتاح لهم فرصة اللعب باسم بلدانهم الجديدة التى عاشوا وكبروا فيها ويمكنهم اللعب دولياً باسم مصر بلدهم الأولى والأصلية .. وهناك أيضا من ارتبطوا بمصر رغم كل تلك المسافات البعيدة ويفضلون اللعب والإنتصار بعلم مصر عن أى علم آخر .. وأظن أن كثيرين من هؤلاء سيكونون إضافة حقيقية للرياضة المصرية فى مختلف الألعاب لكن المهم هو كيف نصل إلى هؤلاء .. كيف نعرفهم وكيف نتابعهم .. وهى ليست فقط مهمة وزارة الهجرة والمصريين فى الخارج .. أو وزارة الشباب والرياضة .. او وزارة الخارجية ممثلة فى سفاراتها فى تلك البلدان .. إنما هو مشروع رياضى قومى لابد أن يشارك فيه الجميع ويتقاسمون مهامه ثم نجاحاته أيضا


