د.ياسر أيوب يكتب : طوكيو وثلاث دورات أوليمبية..الأولى ألغيت والثانية أقيمت والثالثة تأجلت

يتحدث العالم الرياضى كله الآن عن دورة طوكيو الأوليمبية التى تأجلت لمدة عام بعد البيان المشترك للحكومة اليابانية واللجنة الأوليمبية الدولية لإبلاغ العالم بهذا التأجيل بسبب أزمة كورونا .. وأثناء هذا الحديث سيتذكر البعض دورة طوكيو الأوليمبية التى أقيمت عام 1964 .. لكن لن يتذكر أحد غالبا دورة أوليمبية ثالثة كانت بطلتها أيضا العاصمة اليابانية طوكيو .. دورة تبقى حكايتها واحدة من أغرب حكايات التاريخ الأوليمبى رغم أنها ليست حكاية شهيرة ولا يعرفها الكثيرون
ففى عام 1932 .. بدأ السباق لاستضافة دورة الالعاب الأوليمبية 1940 .. وتسابقت أربع مدن لاستضافة هذه الدورة .. برشلونة وروما وهلسنكى وطوكيو .. وفى نفس الوقت كان الجيش اليابانى قد قام باحتلال منشوريا وتقدمت الصين باحتجاج رسمى وأيدتها عصبة الأمم ومختلف القوى الكبرى .. وحين تخيل الكثيرون أن هذا الغزو العسكرى سيمنع طوكيو بالتأكيد من استضافة الألعاب الأوليمبية .. كان بعض مسئولى اليابان الرياضيين وبعض أعضاء اللجنة الأوليمبية الدولية أيضا يأملون فى هدنة عسكرية وديبلوماسية عبر استضافة بلادهم لدورة أوليمبية رغم عدم اهتمام الحكومة اليابانية وقتها بذلك وعدم حرصها أيضا على استضافة هذه الدورة لو كان ثمنها هو التخلى عن الأهداف العسكرية لليابان ومطامعها السياسية والاقتصادية الإقليمية
وبالفعل .. ووبقرار مفاجىء لم ينتظره أو يتوقعه الكثيرون فى العالم وقتها .. أعلنت اللجنة الأوليمبية الدولية فى عام 1934 فوز طوكيو بحق استضافة دورة 1940 .. وتقرر إقامة الدورة الأوليمبية فى طوكيو فى الفترة من 21 سبتمبر إلى 6 أكتوبر عام 1940 لتصبح طوكيو بهذا القرار هى أول مدينة غير غربية تستضيف دورة أوليمبية .. وبدأت طوكيو تستعد لاستضافة هذه الدورة .. بدا بناء القرية الأوليمبية وإكمال استاد ميجى جينجو الذى سيكون الاستاد الأوليمبى الرئيسى إلى جانب فنادق جديدة استعداد لاستقبال الدورة الأوليمبية وأبطالها وضيوفها وجماهيرها .. وبدأت حملات الدعاية والتسويق للدورة عير منشورات وملصقات فى كل مكان بأربعة لغات ومجلة شهرية خاصة بدورة طوكيو 1940
ووسط ذلك كله .. بدأت فى السابع من يوليو عام 1937 .. الحرب اليابانية الصينية .. وبسببها تم إلغاء دورة ألعاب الشرق الأقصى التى كان من المقرر إقامتها عام 1938 .. إلا أن مسئولو اللجنة الأوليمبية اليابانية قدموا كل الوعود والضمانات للجنة الأوليمبية الدولية والعالم كله باستعداد بلادهم لاستضافة الدورة الأوليمبية فى موعدها المقرر سلفا أى فى سبتمبر 1940 .. وتخيل هؤلاء المسئولون أن الحرب مع الصين لن تدوم طويلا وسرعان ما سيهدأ السلاح لتقام الألعاب الأوليمبية فى هدوء وسلام ..
وعاش الجميع فترة من الوقت يتخيلون أن الدورة الأوليمبية لن تتأثر وأن طوكيو ستلتزم بوعودها رغم مسئولين يابانيين كبار بدأوا يتساءلون عن جدوى وضرورة ومبرر استضافة ألعاب أوليمبية والاستعداد لذلك بينما البلاد فى حالة حرب .. بل إنهم أرسلوا للجنة الأوليمبية الدولية لإستئذانها فى إقامة المنشآت الاوليمبية من الخشب حيث يحتاج الجيش اليابانى لكل ما يملكه من حديد لاستخدامه فى تصنيع السلاح لاستمرار الحرب مع الصين
وجاء السادس عشر من يوليو عام 1938 ليتم الإعلان رسميا عن عدم إمكانية إقامة دورة الألعاب الأوليمبية فى طوكيو بعد عامين .. ووقف كويتشى كيدو يعلن للعالم الاسف اليابانى وأنه حين يسود السلام والاستقرار منطقة الشرق الأقصى .. فسيكون بإمكان اليابان الترحيب من جديد باستضافة دورة أوليمبية دون اى مخاوف أو صراعات .. وهو الأمر الذى تحقق بالفعل عام 1968 حين استضافت اليابان دورتها الأوليمبية
ولم تملك اللجنة الأوليمبية الدولية بديلا سوى الغاء دورة عام 1940 .. لكنه بعد قليل من الوقت تم التراجع عن فكرة الإلغاء وبدأ البحث عن مدينة اخرى تستضيف الدورة الاوليمبية بعد اعتذار طوكيو .. وبالفعل تم اختيار العاصمة الفنلندية هلسنكى لاستضافة هذه الدورة الأوليمبية حيث كانت المدينة الثانية فى ترتيب الأصوات بعد طوكيو .. وتقرر أن تقام الدورة فى هلسنكى فى الفترة من 20 يوليو إلى 4 أغسطس عام 1940 .. وبدأت هلسنكى الاستعداد لذلك لولا أن الحرب العالمية الثانية التى بدأت عام 1939 أجبرت اللجنة الأوليمبية الدولية على إلغاء الدورة كلها لتكون المرة الثانية التى يتم فيها إلغاء الألعاب الأوليمبية بعد دورة 1916 التى كان من المقرر أن تقام فى برلين ولكنها ألغيت بسبب الحرب العالمية الأولى