د. ياسر أيوب يكتب : ميدالية بسنت وإنتصارها فى كينيا
قيمة انتصارك وأهميته تحددها عوامل كثيرة أهمها من كانوا المنافسين الذين انتصرت وسطهم .. وأين وكيف ومتى كان الانتصار .. وبمراجعة كل ذلك سنعرف أن الميدالية الفضية للبطلة المصرية بسنت حميدة لم تكن مجرد ميدالية أو مجرد انتصار عادى قد لا يستحق التوقف أمامه بكثير من الاهتمام والاحترام أيضا .. فميدالية بسنت كانت فى سباق جرى المائة متر .. وأقيم السباق ضمن إطار بطولة كيب كينو كلاسيك التى هى إحدى الجولات الذهبية العالمية التى ينظمها الاتحاد الدولى لألعاب القوى فى مختلف قارات العالم .. بطولة تقام كل مسابقاتها فى يوم واحد ويشارك فيها كبار نجوم وعمالقة العالم فى ألعاب القوى .. واستضاف البطولة استاد كاسارانى فى مجمع مو الرياضى بالعاصمة الكينية نيروبى
وفى البداية .. لابد من إدراك أن بسنت حميدة سافرت من القاهرة لتشارك فى هذه البطولة المقامة فى كينيا .. الدولة التى تبقى سباقات الجرى هى رهانها الرياضى والأوليمبى الأول .. وأن البطولة كانت مهمة لدرجة أن تحرص على المشاركة فيها شيللى آن فريزر برايس .. بطلة جامايكا فى الجرى والفائزة بثمانى ميداليات أوليمبية والوحيدة فى التاريخ الأوليمبى التى فازت بميداليات فى سباق 100 متر فى أربع دورات متتالية .. بكين 2008 ولندن 2012 وريو 2016 وطوكيو 2020 .. وإلى جانب ذلك فازت شيللى آن بعشر ميداليات ذهبية فى بطولات العالم .. وهكذا وقفت المصرية بسنت عند خط بداية سباق 100 متر وسط صيحات الجمهور المبهور بحضور بطلة العالم شيللى آن والمتحمس للاعباته الكينيات
وكما هو متوقع .. فازت شيللى آن بالميدالية الذهبية بزمن قدرة 10 ثوان و6 أجزاء من الثانية .. أما المفاجأة فكانت فوز بسنت بالميدالية الفضية بزمن قدره 11 ثانية وجزئين من الثانية .. أى بفارق ستة أجزاء من الثانية عن بطلة العالم الجامايكية شيللى آن .. وهكذا نستطيع إدراك قيمة انتصار ومعنى هذه الميدالية الفضية التى ستعود بها إلى القاهرة .. خاصة أن هذه الميدالية تأتى فى مايو 2022 بعد أن فازت بسنت فى العام الماضى بالميدالية الذهبية لسباق كلادينو الدولى فى جمهورية التشيك .. واعتبرتها الصحافة الأوروبية وقتها نجمة مصرية جديدة على المستوى الدولى .. فقد كانت هذه البطولة إلى جانب مكانتها وشهرتها الدولية بمثابة عودة سباقات العدو من جديد بعد أزمة كورونا .. وشاركت بسنت على نفقة البطولة التى تحملت تكاليف سفر وإقامة البطلة المصرية تكريما وتقديرا لموهبتها .. وقبل ذلك كانت بسنت قد فازت بذهبية بطولة فرنسا الدولية العام قبل الماضى وميداليتين فى دورة الألعاب الأفريقية وأيضا ميداليتين فى ألعاب البحر المتوسط منذ عامين .. واكتفت بالمركز الرابع عشر فى بطولة العالم الأخيرة وكانت ستصبح من الثمانى لاعبات الأوائل على العالم لولا إصابتها بمزق فى العضلة الخلفية أثناء البطولة
وأصبحت بسنت أول لاعبة مصرية تفوز فى سباقات الجرى بميداليات الذهب فى أوروبا .. فنحن فى مصر لا نتميز بشكل عام فى الألعاب التى تعتمد على السرعة لكننا نتفوق غالبا فى ألعاب القوة والقدرة على التحمل كالمصارعة ورفع الأثقال .. وكل انتصاراتنا فى ألعاب القوى عموما أو سباقات الجرى تحديدا كانت فى أفريقيا بعيدا عن البطولات الدولية الكبرى .. وبعدما أصبح ذلك قاعدة أوشكنا كلنا على الاتفاق والاعتراف بها .. قررت بسنت إبنة الإسكندرية أن تصبح استثناء لهذه القاعدة .. فبعد أن مارست فى طفولتها الجمباز أولا ثم السباحة .. وقعت فى غرام الجرى وقررت أن تجرى رغم أن والدتها كانت بطلة سباحة وكان والدها لاعب تايكوندو .. وبالفعل بدأت بسنت تجرى وتحب الجرى وتستمتع به حتى أصبحت أسرع بنت فى مصر حين كانت لا تزال فى السادسة عشر من عمرها .. وبدأت بسنت فى تكسير كل أرقام مصر القياسية فى سباقات الجرى .. وبعدها بدأت بسنت رحلاتها خارج مصر لتواصل نجاحاتها وانتصاراتها العربية والأفريقية والمتوسطية والدولية أيضا
ولا تزال بسنت تحلم بأن تصبح أول لاعبة مصرية تفوز بميدالية أوليمبية .. وتعيش حياتها الآن لتحقيق هذا الحلم حتى أنها بعد نيل بكالوريوس الهندسة بتفوق من الأكاديمية العربية اعتذرت عن قبول تعيينها معيدة لتبقى تواصل تدريباتها ومعسكرات اعدادها ومشاركاتها فى الدورات والبطولات .. وكانت تضحية اختارتها بسنت كصاحبة حلم وإرادة أيضا .. وإذا كانت قد استحقت كل انتصاراتها الماضية فهى تستحق أيضا تشجيعها ورعايتها والوقوف معها حتى تنجح وتحقق لها ولنا حلم الميدالية الأوليمبية


