د. ياسر أيوب يكتب : نادية من الملاكمة للموسيقى والباليه

لا يحتاج الإنسان لأن يحب الملاكمة حتى يتوقف أمام نادية عبد الحميد بكثير من الاعتزاز والاحترام .. فهى صاحبة حكاية استثنائية سواء رأيناها حكاية رياضية عن فتاة صغيرة أحبت ولعبت كرة السلة ثم أصبحت بعد وقت طويل أول مدربة مصرية وعربية لملاكمة الرجال .. أو حكاية إمرأة مسكونة بالطموح والأحلام والعناد غير قابلة للاستسلام أو الانكسار .. وكانت نادية قد أتمت الأسبوع الماضى فى دبى دورة الترقى التى نظمها الاتحاد الدولى لمدربى الملاكمة فى العالم الراغبين فى الترقى لفئة الثلاثة نجوم .. فمعظم مدربى العالم يحملون درجة النجمة الواحدة .. والبعض أصبحوا يحملون النجمة الثانية .. وقليلون جدا فى العالم الذى يحملون النجمة الثالثة .. ومع أربعين مدربا من مختلف بلدان العالم .. كانت نادية عبد الحميد هى المرأة الوحيدة فى تلك الدورة باختيار الاتحاد الدولى للملاكمة .. وتصبح هذه النجمة الثالثة انتصارا جديدا لم ينتظره أو يتوقعه أحد لنفس تلك الفتاة الصغيرة يوم ذهبت وامتلكت الجرأة والشجاعة لتخبر أسرتها أنها ستمارس رياضة الملاكمة وليست كرة السلة
وقتها .. رفضت الأسرة قرار واختيار ابنتها .. فالاعتقاد العام فى مصر أن الملاكمة لعبة عنيفة لا تصلح للفتيات أو النساء .. ولم ترفض الأسرة فقط نتيجة هذا الانطباع والاعتقاد مثلها مثل معظم الأسر والبيوت المصرية .. إنما أيضا خوفا على ابنتهم من اللكمات وما قد تسببه من تشوية وأضرار وأذى سواء فى الوجه أو الجسد .. ولم تتقبل الفتاة رفض أسرتها ولم تستسلم لضغوطهم ونجحت خيرا فى إقناعهم بالسماح لها بممارسة الملاكمة .. وقد يبدو هذا القرار طبيعيا الآن بعدما انتشرت الملاكمة بين صفوف الفتيات ولم يعد يستنكر ذلك الكثيرون .. لكنه كان قرارا مفاجئا وصعبا وصادما حين اختارت وأصرت عليه نادية .. وبالفعل بدأت رحلة نادية مع الملاكمة وأصبحت بعد قليل بطلة مصر وظلت تحتفظ بهذا اللقب ست سنوات متتالية .. ورغم مشكلات كثيرة واجهتها للجمع بين اللعبة وتدريباتها والدراسة والتزاماتها .. وبعد فوزها بالمركز الخامس فى بطولة العالم التى استضافتها الصين .. ورغم أنها كانت لا تزال فى التاسعة عشرة من عمرها .. قررت نادية اعتزال اللعب وليس اعتزال الملاكمة .. وكان قرارها الثانى أصعب من الأول .. فكثيرون لم يقبلوا أولا أن تمارس نادية الملاكمة .. لكنهم سخروا منها حين قررت ممارسة تدريب الملاكمة
كأن نادية بقرار احتراف التدريب تكمل مشوار كان هدفه منذ بدايته هو أن تخوض حربا بعد حرب لتفتح بإصرارها وإرادتها ومعاناتها أبوابا كانت مغلقة دائما فى وجه كل فتاة وإمرأة .. فبعد أن فتحت الباب أمام كل وأى فتاة تريد ممارسة الملاكمة كلعبة .. باتت تريد أيضا إثبات أن المرأة تستطيع تدريب الرجال وقيادتهم وإعدادهم فى لعبة لم تكن حتى وقت قريب تعترف بالنساء .. وبدأت نادية مشوارها الجديد كمدربة مساعدة للمدرب الكوبى لمنتخب مصر وقتها .. وحين اعترف بها الاتحاد المصرى للملاكمة كمدربة وأسند لها مهمة تدريب منتخب مصر للشباب .. قادت نادية لاعبيها لميدالية برونزية فى دورة بوينس آيريس الأوليمبية للشباب وميداليتين برونزيتين لمصر فى بطولة العالم للشباب
وبعيدا عن النجمة الثالثة التى نالتها نادية هذا الأسبوع .. كانت هناك نجاحات أخرى كثيرة .. فقد اختارتها اللجنة الأوليمبية الدولية ضمن لجنة مؤقتة تدير الاتحاد الدولى للملاكمة بعد قرار تجميد الاتحاد .. وقبلها سافرت نادية بمنحة من اللجنة الاوليمبية الدولية لنيل شهادة جديدة فى تدريب الملاكمة .. وقضت ثلاثة أشهر فى بودابست انتهت بنجاح نادية فى الاختبارات بتقدير امتياز والتفوق على كل المشاركين .. كما فازت نادية أيضا بجائزة محمد بن راشد للإبداع الرياضى لتصبح أول إمرأة عربية تفوز بالجائزة وأول مدربة أيضا .. وكانت وستبقى نادية عبد الحميد كلما فازت ببطولة أو نالت جائزة تتذكر كل الذين قالوا لها لا قبل كل خطوة ولم تستسلم لهم أو للظروف والمخاوف وواصلت مشاويرها بمنتهى النجاح والحب والتحدى والكبرياء .. ومثلما بدأت هذا الكلام بالتساؤل هل هو عن نادية مدربة الملاكمة أم نادية المرأة القوية والعنيدة .. فإن النهاية المناسبة هى التأكيد على أنها ليست حكاية ملاكمة فقط .. فالهواية الأولى والحقيقية لنادية إلى جانب القراءة هى الموسيقى وحضور عروض الباليه وحفلات الأوبرا