د.ياسر أيوب يكتب : فرحة اللعب فى كل عيد

يحكى لنا التاريخ الإنسانى كيف تحولت الأعياد إلى مناسبات رياضية وكيف غيرت تلك الأعياد تماما رؤية الناس فى الأزمان القديمة جدا للرياضة .. فالرياضة لم تكن اختراعا عرفه الانسان بمحض الصدفة أو سلوكا تم ابتكاره من باب المتعة والترفيه .. إنما هو سلوك مارسه الانسان منذ بداياته على سطح الأرض .. فمن أجل البقاء على قيد الحياة .. اضطر هذا الانسان للجرى والقفز هربا من الحيوانات التى يمكنها افتراسه .. أو يجرى وراء الحيوانات التى يريد اصطيادها ليأكل .. وبعد قليل لم يكن الجرى والقفز فقط هما الرياضة التى مارسها الانسان البدائى .. إنما بدأ يمارس أيضا المصارعة وكل ألعاب الدفاع عن النفس وعن الحياة فى مجتمعات أولى لم تكن قد عرفت بعد النظام أو اخترعت أى قانون
وبعدما ساد كثير من الاستقرار سطح الأرض .. ولم يعد الإنسان بدائيا وبدأ يؤسس بيتا وأسرة وقبيلة ومجتمع ويعيش حياة فيها كثير من الأمان والهدوء .. تم اختراع الأعياد والاحتفالات لأسباب دينية فى البداية ثم تعددت الأسباب لدواعى اجتماعية وانسانية واقتصادية أيضا .. ومع هذه الأعياد .. تغيرت رؤية الناس للرياضة من نشاط فردى كان تلقائيا ثم أصبح ضروريا للجنود استعداد للقتال ليصبح إحدى مظاهر التعبير عن الفرحة والاحتفال بكل عيد .. وكان ذلك التحول بمثابة الربط بين الرياضة والبهجة .. وأن يلعب الإنسان ليس للهرب من حيوان أو للجرى ليأكل لكنه يلعب ليفرح ويحتفل
ومنذ سنين .. قامت منظمة اليونسكو بدراسة لا تزال تستحق التقدير والاحترام والاهتمام أيضا .. وسافر القائمون على هذه الدراسة لبلدان كثيرة جدا وجمعوا كل ما هو متاح من وثائق ودراسات وشهادات .. ومن هذه الدراسة بدأنا نعرف أنه منذ عصور قديمة للغاية ..ارتبطت أعياد الإنسان بالرياضة .. فى مصر القديمة وفى الصين وبابل والإغريق والرومان .. وكشفت هذه الدراسة أن الانسان اعتبر الرياضة وسيلة للاحتفال قبل أن يعتبرها وسيلة لتجهيز الجنود للحرب .. أى أن الرياضة فى الأعياد سبقت رياضة الحروب .. فالإنسان القديم عرف الأعياد قبل خوض أى حروب .. فالإنسان القديم كان يبحث عن الإله قبل البحث عن إنسان يحاربه .. ولم تكن الأعياد فى الزمن القديم أو الزمن الأول مجرد تقديم قرابين للإله .. إنما كان لابد من وسيلة يعبر بها الناس عن فرحتهم .. ولأنهم فى تلك الأزمان الأولى لم يكونوا يملكون إلا أجسادهم .. فقد أصبح الجسد هو وسيلة الاحتفال بالعيد .. ولم تحدد دراسة اليونسكو هل كانت الرياضة هى الوسيلة الاولى أم سبقها الرقص .. فالرقص بدأ كاحتفال دينى بكل الأعياد تماما مثل الرياضة .. لكن من منهما سبق الآخر .. أم أن الاثنين كانت بدايتهما متزامنة لكن جرى تخصيص الرقص للنساء والرياضة للرجال .. فالرقص يمنح البهجة والرياضة تعبير عن القوة .. ولا يستطيع الانسان الاستغناء عن الفرحة والبهجة تماما مثلما لا يستطيع الاستغناء عن القوة والحماية
وحتى بعدما بدأ الإنسان يحارب .. لم يستطع الاستغناء عن الرياضة .. وإذا كان الجنود قد اضطروا لممارسة الرياضة للمحافظة على لياقتهم وتقوية أجسادهم استعدادا لكل حرب .. فعموم الناس احتاجوا أيضا للرياضة احتفالا بالانتصار فى كل حرب .. ثم أصبحت الرياضة بديلا لكثير من الحروب .. ولم تكن مصادفة أن تخوض مدينة إسبرطة اليونانية حروبا لا أول لها ولا آخر مع بقية المدن اليونانية المجاورة .. ثم تصبح إسبرطة نفسها هى المدينة التى تخترع للعالم كله الرياضة بشكلها الحالى وسباقاتها وألعابها ودوراتها الأوليمبية .. فالملك اليونانى القديم .. إيفيتوس .. بعد نجاحه فى إقرار النظام والقانون فى مملكة إيليه .. ذهب إلى كاهنة المعبد يستشيرها ويطلب منها الرأى والنصيحة فقالت له الكاهنة محذرة .. جنودك اعتادوا على الحرب والقتال .. دعهم يلعبون حتى لا يحتاجون للحرب .. دعهم يلعبون حتى لا يقتلوك .. أهم وأغرب وأعمق جملة قيلت على الإطلاق فى تاريخ الرياضة .. وقد كان حديث الكاهنة هو أول إشارة فى التاريخ الإنسانى للعب بديلا عن الحرب .. قبل هذا الحوار الذى دار فى المعبد كان اللعب مجرد استعداد للحرب .. الآن سيصبح اللعب عوضا عن أى حرب .. ولهذا أصبحت الحرب حراما طيلة أوقات إقامة الدورات الأوليمبية فى الزمن القديم .. وكان كل بطل أوليمبى .. قبل اختراع الميداليات .. ينال جائز انتصاره عبارة عن غصن زيتون شعارا للسلام .. فهل فكر أحدكم من قبل لماذا يصبح غصن الزيتون هو الجائزة الكبرى لأى فائز أوليمبى .. بل إن الدورات الأوليمبية نفسها لم تكن إلا مجرد حفلات تكريم لمن انتصروا فى حروب مدينة طروادة أو تكريما لمن ماتوا دفاعا عن المدينة وأهلها